فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار .
أحبتى فى الله .. (إن الإسلام قادم!)
هذا ما أُعَنون به موضوع لقاءنا اليوم مع حضراتكم فى هذا اليوم الكريم الأعز، وفى هذه الظروف العصيبة الرهيبة التى تمر بها أمتنا الحبيبة .
وكما تعودنا أحبتى حتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعاً
سوف أركز الحديث مع إخواني تحت هذا العنوان فى العناصر التالية .
أولاً: واقع مُر أليم .
ثانياً: ولكن الإسلام قادم .
ثالثا: منهج عملى واجب التنفيذ .
فأعرونى القلـوب والأسماع جـيداً، والله أسأل أن يقـر أعيننا بنصر الإسلام وعز الموحدين، وأن يشفى صدور قوم مؤمنين، إنه ولى ذلك ومولاه وهو على كل شىء قدير .
أولاً: واقع مر أليم .
أحبتى الكرام.
لقد ابتليت الأمة الميمونة بنكسات وأزمات كثـيرة على طول تاريخها، مروراً بأزمة الردة الطاحنة، والهجمات التترية الغاشمة، والحـروب الصليبية الطاحنة، لكن الأمة مع كل هذه الأزمـات والمآزق كانت تمتلك مقومات النصر من إيمان صادق، وثقة مطلقة فى الله واعتزاز بهذا الدين، فكتب الله لها جل وعلا النصرة والعزة والتمكين، ولكن واقع الأمة المعاصر واقـع مر أليم، فقدت فيه الأمة جل مقومات النصر بعد أن انحرفت الأمة انحرافاً مروعاً عن منهج رب العالمين وعن سبيل سيد المرسلين ، انحرفت الأمة ووقعت فى انفصام نكد بين منهجنا المضىء المنير وواقعهـا المؤلم المر المرير، انحرفت الأمة فى الجانب العقدى، والجانب التعبـدى، والجانب التشريعى والجانب الأخلاقى، والجانب الفكرى، بل وحتى فى الجانب الروحى، وما تحياه الأمة الآن من واقع أليم وقـع وفق سنن ربانية لا تتبدل ولا تتغير ولا تحابي هذه السنن أحداً من الخلق بحال مهما ادعى لنفسه من مقومات تستدعي المحاباه، بل ولن تعود الأمة إلى عزها ومجدها إلا وفق هذه السنن التى لا يجدى معها تعجل الأذكياء ولا هم الأصفياء، قال تعالى:
إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [ الرعد: 11 ].
والله لقد غيرت الأمـة وبدلت فى جميع جوانب الحياة، فتأمل ستجد الأمة استبدلت بالعبير بعرى، وبالثريا ثرى، وبالرحيق المختوم حريق محرق مهلك مدمر، وظنت الأمة المسكينة أنها يوم أن نَحَّت شريعة الله وشريعة رسول الله وراحت تلهث وراء الشرق الملحد تارة ووراء الغرب الكافر تارة آخرى أنها قد ركبت قارب النجاة، فغرقت الأمة وأغرقت وهلكت الأمة وأهلكت، ولن تعود الأمة إلى سيادتها وريادتها إلا إذا عادت من جديد إلى أصل عزها ونبع شرفها ومعين كرمها ومعين بقاءها ووجودها إلى كتاب ربها وسنة حبيبها ورسولها .
أيها الشباب لقد انحرفت الأمـة فزلَّت وأصبحت قصعة مستباحة لكل أمم الأرض، وصدق فى الأمة قول الصادق الذى لا ينطق عن الهوى كما فى كما فى حديثه الصحيح الذى رواه أحمد وأبو داود من حديث ثوبان أنه قال: ((يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها)) فقال قائل: من قلة نحن يومئذ. قال: ((بل أنتم يومئذ كثير، ولكن غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن فى قلوبكم الوهن)) قيل وما الوهن يا رسول الله ؟! قال: ((حب الدنيا وكراهية الموت ))([1]).
نعم والله صدقت يا حبيبى يا رسول الله لقد أصبحت الأمة الآن غثاء، ذلت بعد عـزة، جهلت بعد علم، ضعفت بعد قـوة، وأصبحت الأمة الإسـلامية فى ذيل القافلـة الإنسانية كلها، بعد أن كانت الأمـة بالأمس القريب، الدليل الحاذق الأرب، بعد أن كانت تقود القافلة الإنسانية كلها بقدارة واقتدار، أصبحت الأمة الآن تتسول على مائدة الفكر الإنسانى .
بعد أن كانت الأمة بالأمس القريب منارة تهدى الحيارى التائهـين ممن أحرقهم لفح الهاجرة القاتل وأرهقهم طول المشي فى التيه والظـلام، لقد أصبحت الأمة المسكينة تتأرجح فى سيرها بل لا تعرف طريقها الذى ينبغى أن تسلكه ويجب أن تسير فيه، بعد أن كانت الأمة بالأمس القريب جداً الدليل الحاذق الأرب فى الضروب المتشابكة فى الصحراء المهلكة التى لا يهتدى لليسر فيها إلا الأدلاء المجربون .
أهذه هى الأمة التى زكاها الله فى القرآن،ووصفها بالخيرية فى قوله تعالى :
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [ آل عمران: 110 ]